احدث الاخبار
أنت هنا: الرئيسية / اخبار جريدة الوطن / رأي الوطن : ذكريات مؤلمة يطغى عليها الدم

رأي الوطن : ذكريات مؤلمة يطغى عليها الدم

منذ بداية الغزو الأميركي لدول في آسيا بحجة محاربة الإرهاب العالمي وقعت حوادث عديدة مؤسفة راح ضحيتها مدنيون أبرياء، دبرت إما وفقًا لمعلومات كاذبة تولت بحبكها أجهزة الاستخبارات، أو مجرد الرغبة في الانتقام يتم تغطيتها بروايات لا أساس لها من الصحة. حدث ذلك في أكثر من مكان في أفغانستان وباكستان والعراق وفلسطين وسوريا ولبنان وليبيا وغيرها، وهي دول عربية وإسلامية في الأساس حتى بدا الأمر وكأن أرواح العرب والمسلمين صارت أمرًا هينًا التضحية بها في صراعات تدخل فيها عوامل متعددة منها الدافع الاستعماري بالسيطرة على مناطق الثروات، وكذلك تدخل فيها عناصر محلية تدل القوات الأجنبية على مواقع لقصفها سرعان ما يتبين أن الضحايا فيها مجرد نساء وأطفال، ومما يؤسف له أنه سرعان ما يتم إغلاق الملف وكأن الأرواح البريئة التي تم التضحية بها على مذبح الأطماع وجني المكتسبات الإعلامية لا تحرك ضمائر أحد في المجتمع الدولي.
لقد تزايد اعتماد القوات الأجنبية أو بالأحرى الدول الطامعة والمتدخلة في الشؤون الداخلية للدول على تنظيمات وقوى متمردة أو على (جواسيس) محليين غالبًا ما يحملون اسم (المتعاونين) جندتهم كلهم تلك الدول لخدمة مشاريعها وتحقيق أطماعها، وهؤلاء يحاولون في بعض الأحيان تصفية خصوماتهم مع أشخاص آخرين أو أحزاب أو قوى سياسية معارضة أو حكومات عن طريق الزعم بوجود إرهابيين بينهم أو الزعم باستخدام الحكومة المستهدفة أسلحة محرمة دوليًّا، ما يتخذه الطامعون ذريعة لهم لقصف مناطقهم بلا رحمة ودون أي تمييز. وما زال قصف منازل في أفغانستان ماثلًا في الأذهان لا سيما ذلك المنزل الذي كان يضم ليلة عرس جرى خلالها إطلاق النار في الهواء ابتهاجًا ثم تحول العرس إلى مأتم كبير وطويت الصفحة، لتتكرر المأساة نفسها في العراق ثم تؤكد القوات الأميركية أنها قصفت مواقع يتمركز فيها إرهابيون. والمؤسف أن هذه الحوادث أخذت تتكرر وفق الحاجة واللزوم في الغالب لأهداف باتت معلومة ومكشوفة، حيث بتنا نشاهدها في العراق وسوريا وغيرهما على النحو الماثل في قصف المقاتلات الأميركية لمنازل المدنيين في مدينة الموصل في إطار حرب تحرير المدينة من تنظيم “داعش” حيث أوقعت المقاتلات مئات القتلى والمصابين المدنيين، والمقاتلات ذاتها ضمن ما يسمى التحالف لمواجهة “داعش” أوقعت عشرات المدنيين في حلب والرقة، ومؤخرًا صواريخ التوماهوك التي أطلقتها البارجتان الأميركيتان من المتوسط مستهدفة قاعدة الشعيرات في مدينة حمص أوقعت مدنيين سوريين بين قتلى وجرحى، مع أن الهدف الأميركي المعلن أن هذا العمل العسكري جاء بزعم الانتقام للمدنيين السوريين الذين تزعم روايات المتآمرين أن الجيش العربي السوري استهدفهم بالسلاح الكيماوي في خان شيخون بمحافظة إدلب.
إن مثل هذه الحوادث تصنف ضمن الجرائم الدولية التي تحتاج إلى تحقيق بواسطة جهات محايدة لتحديد حجم المسؤولية وتعويض الضحايا على نحو ملائم، وهذا عبء يجب أن تضطلع بمسؤوليته كافة الأنظمة السياسية في البلدان العربية والإسلامية أو إدراجها على جداول أعمال مؤتمرات القمة التي تلتئم لتدارس قضايا العرب والمسلمين.
غير أن الذي يحدث الآن هو التعمية والتغطية على ذكريات مريرة ومؤلمة بالمزيد من إراقة الدم العربي والإسلامي، مع مراعاة واضحة بين عاملي الزمان والمكان، فقد طغت الجرائم المرتكبة بحق المدنيين السوريين بصورة واضحة وممنهجة على نظيرتها في العراق ونعني بها في مدينة الموصل خاصة وأنها تأتي متزامنة مع ذكرى الغزو الأنجلو ـ أميركي للعراق، فحتى لا يعاد فتح جراح الذكرى بإحيائها باستعادة مجزرة الموصل التي راح ضحيتها مئات المدنيين العراقيين الأبرياء بين الأطفال والنساء، وملاييين الضحايا العراقيين جراء الغزو، تم تحريك بوصلة الأحداث إلى سوريا والتركيز على الحادثة المزعومة في خان شيخون، والرد الأميركي المباشر المتجاوز للقانون الدولي وللشرعية الدولية ولشرعة الأمم المتحدة، وهكذا تم تغييب الذكرى والحدث العراقييْنِ من الذاكرة الجمعية العربية والإسلامية برفع وتيرة الإثارة والفبركة والتهديد في ملف الأزمة السورية.


المصدر: اخبار جريدة الوطن

عن المشرف العام

التعليقات مغلقة

إلى الأعلى