احدث الاخبار
أنت هنا: الرئيسية / اخبار جريدة الوطن / «الوطن» بالتعاون مع الادعاء العام: «ومن العشق ما قتل»

«الوطن» بالتعاون مع الادعاء العام: «ومن العشق ما قتل»

مُساعد المُدّعي العام/ ناصر بن عبدالله الريامي

أولًا ـ كلمة الابتداء:
قد نسمع عن امرأة ترفع دعوى طلاق على زوجها للضّرر، كما لو كان الزوج دائبًا على التعدي عليها بالضرب، أو يُعنِّفها، أو يُسيئ معاملتها، بالسّباب والإهانة، أو بسبب هَجرَه لها، أو الامتناع عن الإنفاق عليها، وغيرها من الأسباب. كما قد نسمع، في الوقتِ عينه، عن زوجة ترفع على زوجها دعوى خُلع، وهو فراق الزوجة لزوجها بعِوضٍ تدفعه له، كما لو كانت كارهةً له، لا تتقبله، دون وجود سبب من الزوج.
وقد نسمع، في مُوازاةِ ذلك، أن تلجأ امرأةٌ إلى بيتِ أهلها (حَردانة، أو حارنة، كما تقول بعض اللّهجات العربية) بسببِ خلافٍ بينها وزوجها .. أمّا أن تَعمَد الزوجة إلى الاتفاق مع الغير، ودفعه إلى قتل زوجها، فتلك فاجعة لم نألفها .. فكيف لو كان الدافع إلى هذه الفاجعة هو (ليخلو لها الجو) فتتزوج من القاتل (عشيقها)! ردّة الفعل ستكون، قولاً واحدًا: هي النكبة الفاجعة الكريهة، التي لم يسمع عنها مُجتمعنا، بقيَمِه الروحيّة السَّامية، وعاداته وتقاليده الأصيلة، بل منظرٌ، يقشعرُّ له الأبدان، من الأعماق، بمُجرّد تمثلهُ في مشهدٍ دراميٍّ في شاشاتِ التلفزة، فكيف وكونه مشهدًا حقيقيًا، لا هزل فيه! تلك هي الحقيقة المُرة التي أكدتها محكمة الجنايات المختصة مكانيًا، في حكمها الذي سنشير إليه وإلى

بعض حيثياته في العرض التالي:
ثانيًا ـ ملخص الواقعة:
تشيرُ الحيثيات التي رصدتها تحريات الشرطة، وتحقيقات الادِّعاء العام، إلى أن المتهم الأول (س ص)، نشأت بينه والمتهمة الثانية (غ ل) علاقة حبٍ، استمرت لرَدحٍ من الزمن، وأن الأول تقدّم إلى والد الثانية لطلب الزواج من محبوبتِه، إلا أن طلبه قُوبل بالرّفض، لعدم جاهزيّته المالية بعد، فهو عاطل عن العمل، كما لم يَكُن لدَيه مَدخُولٍ ماليٍّ ثابت. وبعد فترة من الزمن، أُجبرت المتهمة على الزواج مِمَّن لديه الملاءة المالية، فتحقَّق ذلك فِعلًا رغمًا عن إرادتها.

أشارت التحقيقات أيضًا إلى أن خِلافاتٍ بين المتهمة وزوجها (المجني عليه) سُرعان ما أن أصبحت هي سيّدة الموقف، في كلِّ كبيرةٍ وصغيرة في حياتِهما الزوجية، التي باتت في مَهبّ الريح، فزيَّن الشيطانُ للمتهمة سبيل العودةِ إلى عشيقِها، وإلى مقابلته سِرًا في أماكنٍ مُختلفة، منها بيتِه؛ بل، وفي بيتها أيضًا، في أوقات غياب زوجها عنه. أثناء تلك اللِّقاءات، أخذت المتهمة تصف للمتهم ضروب العُنف والتنكيل التي تواجهها من زوجها، وأن الحياة معه أضحت لا تُطاق. أخذت المتهم الغِيرة والحَمِيَّة، ليقترح على المتهمة التخلُّص منه بقتله؛ وأبدى استعداده بأن يتولى بنفسِه التخلُّص مِمَّن يُنغِّص على محبوبته. من ضِمن الأفكار الشّيطانية التي طرحها المتهم، تنفيذًا لجريمته، تمثلت في أن يُحضر لها سُمًّا قاتلاً، لتدسَّهُ في مأكله أو مشربه، ومنها أيضًا الخروج معه في رحلةِ صيدٍ بَحريّة، ويعمل المتهم على إغراقِه في البحر، ثم يبلغوا أهله، والشرطة بأنه مفقودٌ، وأن المتهمة ستتحرَّر بعدئذٍ بحُكمٍ قضائيٍّ، تمهيدًا للزواج من المتهم. وعلى الرغم من أن المتهمة لم تستنكر الفِكرة، إلا أنها لم تُبدِ موافقتها الصريحة عليها.

عمل المتهم عقب ذلك على إخضاع منزل المجني عليه لمراقبته الحثيثة، ووقَفَ على مَواقيت وجوده في المنزل مُنفردًا. وفي يوم الواقعة، وبعد أن عقدَ العزم على تنفيذ جريمته، اتّجه إلى منزل المجني عليه، بينما كانت عقارب السّاعة تشيرُ إلى الحادية عشرة مساءً، وفور دخوله المنزل نزل على المجني عليه ضربًا على رأسِه، ضرباتٍ مُتكرّرة، بعصًا خشبيةً غليظة (هي في الغالب ذراعٌ لمجرفةٍ زراعية، أو ما يُعرف محليًا بالشِّيوِل)، كما وتشير التقارير الفنية إلى أنه استخدم في الإجهاز على المجني عليه أيضًا أداة حادة، كشفت التحقيقات إلى أنها ساطور.
وبعد أن سقط المجني عليه، إثر الإصابات البليغة التي لحقت به، ربطه المتهم بحبلٍ، وسحبه إلى حيث سيارة المجني عليه، ووضعه في صندوق السيارة، وتحرك من فورِه، إلى بيتِ والدِ المتهمة، فاتصل بها هاتفيًا فور وصوله أمام المنزل، وطلب منها الخروج لأمرٍ عاجلٍ، وعندما خرجت، تفاجأت بسيارة زوجها يقودها المتهم، فعلمت منه أنه قتل زوجَها، وأن الأخير موضوع في صندوق السيارة، وطلب منها مساعدته في التخلُّص من آثار الجريمة في بيتها. ركبت المتهمة معه، واتجها فورًا إلى مسرح الجريمة، وتساعدا في غسل الأماكن التي انسكبت فيها دماء المجني عليه؛ ثم توجها معًا إلى أقرب مركز صحي لمعالجة الجروح التي لحقت بالمتهم في يده اليمنى، جراء مقاومة المجني عليه، والجثة لا تزال في صندوق السيارة. لم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، وإنما أبقيا الجثة في صندوق السيارة إلى صباح اليوم الثاني، حيث اتجها سويًا إلى مقر عمل المتهم الثالث (شقيق الثانية)، وطلبا منه المساعدة في دفن الجثمان، كون الإصابة التي لحقت بالأول، في يده اليمنى، حالت بينه وبين قدرته في حفرِ قبرٍ بمفردِه، ثم إنزال الجثة فيه. ولإقناع الثالث على قبول المساعدة، واعداه على أن يعطياه أجرًا ثلاثمائة ريال على المساعدة، وكتمان السر.
وفي مساء اليوم الثالث، قرّر المتهمان الأول والثالث أن يدفنا المجني عليه في شاطيء الولاية، لسهولة وسرعة الحفر والرّدم؛ فنفّذا قرارهما فعلاً تحت جُنح الظلام، دون أن يلاحظهما أحد.

ثالثًا ـ أقوال المتهمين:
نشيرُ بدايةً إلى أن شكوك تحرّيات الشرطة، منذُ بواكيرها الأولى، اتجهت إلى الزوجة (المتهمة الثانية)، وذلك فور أن تقدّمت ببلاغ عن فقدان زوجها، وازدادت تلك الشكوك حِدّةً، بعد أن وقفت التحريات على حقيقة تزويجها بغير من ارتبطت به بعلاقة حبٍ وغرام، ناهيك عن أن فراسة ضابط التحري تلمست في المتهمة تصنُّع القلق، واكتشفت بكاءها الأجوف، الخالي من المشاعر، فما كان منه إلا أن جلس معها جلستين اثنتين فقط، لسؤالها عن الظروف التي أحاطت اختفاء زوجها، إلى أن قرّرت الإبلاغ، واضعًا تلك الاستفسارات في إطارِ مناقشةٍ عامة عن علاقتها العاطفية القديمة، وسبب عدم تتويجها بالزواج، فما كان من المتهمة إلا وأن انهارت بالحقيقةِ الكاملة، وفق البيان المتقدم.

أقوال المتهمة الثانية:
هذا، وبالتحقيق مع المتهمة، جاءت أقوالها مُتفقةً، من حيث المضمون، وما جاء في مُلخصِ الواقعة؛ مُضيفةً على ذلك بالقول: أن زوجَها المجني عليه كان قد أوصلها إلى بيت أهلها في يوم الواقعة، وعندما بدأ الوقت يتأخر في الليل، وأرادت العودة إلى بيتها، تواصلت معه هاتفيًا، وطلبت منه ذلك، إلا أنه تعذّر بحجة انشغاله في بعض الأعمال، وقال لها أنه سيفعل ذلك في وقتٍ لاحق. وأردَفت المتهمة قائلة: بعد فترة من الوقت، تلقّت اتصالًا هاتفيًا من المتهم الأول، طالبًا منها الخروج لمقابلته، وفقما جاء في الملخّص، فتفاجأت به يقود سيارة زوجها، وما أن ركبت السيارة حتى وصعقها بخبرِ تمام الإجهاز على زوجها، وأن عليها مُرافقته فورًا إلى بيتها للتخلص من آثار الجريمة. تقول المتهمة أن فرائِصها ارتعَدت، في تلك اللّحظة، من هَولِ ما سَمعَت، وسكَنَ الخوفُ قلبَها، وقالت له بصوتٍ واجفٍ: وما علاقتها بالأمر، إلا أنه نهرها بصوتٍ تَطايرَ منه الشّرر، لم تألفه من المتهم، مُهدّدًا إيّاها بالقتل إن لم تفعل، فاضطرت مُجبرة إلى الذهاب معه، ومساعدته في تنظيف آثار الدماء التي لطّخت بعض أركان البيت.

أقوال المتهم الأول:
اعترف المتهم بأن نيّته اتّجهت فعلاً إلى قتل المجني عليه، مُنذ اللحظة التي أخذت فيها المتهمة تحكي له عن حياتها التي لم تعُد تُطاق، بسبب تنكيل زوجها المستمر لها، والإهانات التي أضحت هي نهج الأخير في التعامل معها. مُؤكّدًا أن لقاءاته السّرية مع المتهمة استمرت بعد زواجها من المغدور؛ وأنه دأَبَ، خلال تلك اللقاءات، على التحدُّث معها عن استعداده على التخلُّص منه بالقتل، وفق الطرق البديلة المذكورة في الملخص.

وأردف المتهم الأول في اعترافاته قائلاً: أنه فعلًا أخضع بيت المجني عليه للمراقبة لفترةٍ طويلة، للوقوف على تفصيلات تحرّكاته، وفي يوم الواقعة، تفاجأ بالمجني عليه يطلب مِنه الوصول إليه في منزله لأجل التحدّث معه في أمرٍ ما. هنا، وجد المتهم بأن الفرصة التي لطالما انتظرها قد جاءته بنفسِها، فانتهزها فرصةً لتنفيذِ مُبتغاه الإجرامي. ومع ذلك، يزعم بأنه لم يُجهّز سلاحًا لذلك. وفي الطريق إلى منزل المجني عليه، وبينما كانت الساعة تناهز الحادية عشرةَ ليلاً، وجد عصًا خشبيّةً غليظة، مَلقيةً على الأرض، فالتقطها، وبعد أن تفحّصها، ووجدها صالحةً لتنفيذِ جريمته، تسلَّح بها إلى منزل المجني عليه. وعندما وصل المنزل، طرَقَ الباب، فأذِنَ له المجني عليه بالدخول، وما أن دخل المتهم، حتى وتفاجأ بالمجني عليه يتهجَّم عليه بسكينٍ، فأصابت يده اليُمنى ببعضِ الجُروح، وهو بدورِه انهال على المجني عليه بالعصا على رأسِه، ضرباتٍ مُتكرِّرة، كما وطعنه أيضًا بساطورٍ، كان قد التقطها من حوش البيت، حسب زعمه. وعليه، صوَّر المتهم طريقة الاجهاز على المجني عليه، ضمن إطار حالةِ الدفاع الشَّرعيّ. مُنكرًا في اعترافاته أن يكون قد هدَّدَ المتهمة بالقتل إن لم تساعده في التخلُّص من آثار الجريمة، وفقما جاء في أقوالها، وإنما أبدت استعدادها على ذلك، بمجرّد أن عرض عليها الأمر.

أقوال المتهم الثالث:
يقول أنه، وبينما كان في مقرِ عمله، ذات صباح، ورده اتصالٌ من أخته المتهمة، وكان صوتُها يَشِي بأمرٍ غير طبيعيّ قد حدث، وطلبت منه الخروج فورًا لمقابلتها عند موافق السيارات، وعندما خرج شاهد برفقة أخته المتهم الأول، الذي يقرب لهما قرابة دم (ابن عمّتهما)؛ فبادرته أخته بالاستنجاد، قائلةً: بأنها لم تجد سِواه ليساندها في المصيبة التي وقعت فيها؛ موضّحة ذلك بالقول أن المتهم الأول قتل زوجها، بينما كانا يتعاركان عراكًا عاديًّا بسيطًا، وأن زوجها أضحى جُثةً هامدةً في صندوقِ السيارة، وطلبت منه التعاون مع الأول لدفن المجني عليه، مقابل ثلاثمائة ريال. يقول الثالث أنه لاحظ على الأول الارتباك الشديد، كما كانت يده اليُمنى مربوطة، برباطٍ طبيّ، بما يكشف عن تعرّضها للإصابة فعلًا. وافق الثالث على مُساعدة الأول في التخلص من الجثمان، واتجه معه في مساء اليوم التالي إلى الشاطئ، ودفناه في حُفرةٍ تولى هو حفرها. أشار أخيرًا إلى أنه لم يستلم المبلغ المتفق عليه.

رابعًا ـ الأدلة الفنية:
يؤكّد الطبيب الشرعي أن عملية تشريح الجثمان كشفت عن تعرُّض الهالك لكدماتٍ ناتجة عن الارتطام بجسمٍ صلب راض كالعصا، وسحجاتٍ مُتفرقة، ناتجة عن الاحتكاك بجسمٍ صلب ذو سطحٍ خشن، وجروحٍ قطعية، ناتجة عن جرّ أداة حادة على سطح الجلد، وجروح دفاعية قطعية، وجروح طعنية غير نافذة، في أسفل يسار الصّدر، وجروح رضية تهتكية بفروةِ الرأس، وكسور بعظام الجمجمة، أدَّت إلى نزيفٍ حاد؛ وبالتالي، إلى الوفاة.

ضبط فريق مسرح الجريمة بعض الأدوات المستخدمة في تنفيذ الجريمة، بناءً على استدلال المتهمين الأول والثالث، اللذين اشتركا في إخفائها، وكانت من ضمنها ساطور، وبإخضاعه للفحص البيولوجي، تم اكتشاف آثار دموية آدمية، وحمض نوويّ، وتبيّن بعد التصنيف أنها مختلطة من دم المتهم الأول، وكذا المجني عليه. الاختلاط نفسه ظهر على القفاز البرتقالي اللون، المعثور عليه مع الأدوات الأخرى.
كما أن العصا الغليظة التي ذكرها المتهم في التحقيق، عثر عليها في المخبأ نفسه، وبفحصها، وجد عليها عوالق قليلة لشعرٍ آدميّ، أمكن فنيًا نسبتها للمجني عليه؛ كما عثر في الطرف الآخر من العصا آثارٍ دموية، أمكن نسبتها إلى المتهم الأول.
ثبت وجود رسائل رقميّة مُتبادَلة بين المتهمَينِ الأوّل والثانية، تُؤكّد عزمهما على قتل المجني عليه.

تظاهر المتهم الأول أثناء التحقيق بالجنون، فتمّ في ضوءِ ذلك إحالته إلى مُستشفى الأمراض العقليّة والنفسية، ووضعه تحت مراقبة المختصين، الذين أكّدوا في تقريرٍ مُفصَّل عدم مصداقية المتهم فيما يتظاهر من جنونٍ؛ وسلامة قواه العقلية؛ وبالتالي، استقامة مسؤوليته الجزائية، وفق التفصيل الذي سنورده تحت بند المحاكمة.
خامسًا ـ تصرُّف الادِّعاء العام:
قرّر الادّعاء العام، بعد الانتهاء من التحقيقات، إحالة المتهمين الثلاثة إلى محكمة الجنايات المختصة مكانيًا، لمقاضاة الأول والثانية بتهمة القتل قصدًا، مع سبق الإصرار والتصميم والترصُّد، بالمخالفة للمادة (237 /3) من قانون الجزاء رقم:(7 /74)، المعاقب عليها بالإعدام؛ وبالتدخل الفرعي في الجريمة بالنسبة للمتهم الثالث، بالمخالفة للمادة (95 /2) بدلالة مادة الاتهام.

سادسًا ـ حكم محكمة الجنايات:
حضر إحدى الجلسات العديدة للمحكمة طبيب الأمراض العقلية والنفسية، وأدلى بشهادته بخصوص الحالة العقلية للمتهم الأول، وفق ما تمخَّضت عنه مراقبته الحثيثة له، أثناء احتجازه في المصحّة للتقييم؛ وبعد أن أدّى اليمين القانونية أمام المحكمة، أفاد أن ادعاء المتهم بالجنون مفضوح، وأنه غير صادق فيما يأتيه من تصرفات للإيهام بالجنون والنقص العقلي، وأنه لا يُعاني من الذّهان ولا الهلاوس، ولا الاكتئاب، ولا اضطراب المزاج، ولا حتى أيّ عرض من الأعراض النفسية الكبرى؛ وأن سلوكه يميل قليلاً إلى الانفعال، وسرعة الغضب، وعدم التحكم في الذات؛ خصوصًا عندما يشعر بالاستفزاز، علاوة على أنه يُعاني من اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع؛ إلا أن هذه الأعراض كلها لا تشكّل مرضًا يعدم المسؤولية الجزائية عن أفعاله؛ ويبقى بذلك مسؤولاً عن تصرُّفاته.

كما ترافع الدفاع عن المتهم الأول، والتمس من المحكمة براءة المتهم الأول لكونه كان في حالةِ دفاعٍ شرعي، وأنه ما كان ليضرب المتهم إلا دفاعًا عن نفسه من السّكين التي كان يحملها المجني عليه، والتي حاول فعلاً قتل المتهم بها، إلا أن فعله خاب، بعد أن أصاب يده اليُمنى، بدلاً من مَقاتِل جسم الإنسان. واحترازيًا، طلب الدفاع تغيير وصف التهمة إلى الضرب المفضي إلى الموت، بَدلاً من القتل قصدًا، كما عَدَل المتهم عن جُل اعترافاته التي أدلى بها أمام الادعاء العام، وأنكر بالكُليّة فكرة التخطيط المسبّق لقتل المجني عليه، ولا اتفاقه مع المتهمة الثانية على ذلك؛ ناسيًا أن البينة الفنية المستخلصة من هواتفهما الذكية، تؤكّد بالدليل القاطع، والبرهان الساطع، قيام الاتفاق بينهما.
كما حضرت والدة المتهمة إحدى الجلسات، وأفادت أن والد المتهمة رفض تزويج الأخيرة من المتهم الأول، كونه لم يكن مُستعدًا ماديًا لأعباء الزواج، وأنه زوّجها، في وقتٍ لاحقٍ، من الهالك وأن ابنتها لم تشتكي منه على الإطلاق، وأن حياتهما، حسب علمها، كانت طبيعية جدًا.
وبعد الانتهاء من التحقيقات النهائية، فلقد وَقَرَ في يقينِ المحكمة، واطمأن وجدانها إلى ثبوت اقتراف المتهم لجريمة القتل قصدًا، مع سبق الإصرار والتصميم، بكافة أركانها وظروفها، وذلك باقتراف الركن المادي للجريمة، مستخدمًا العصا الغليظة المضبوطة، وبعد أن تيقن المتهم من هلاك المجني عليه، وضعه في صندوق السيارة، ثم دفنه بعد يومين، بمساعدة الثالث.
وحيث اكتمل الركن المادي بتحقق الوفاة، وفق ما جاء في تقرير الطبيب الشرعي، كما تأكّد أيضًا ثبوت قيام علاقة السببية، دونما انقطاعٍ بين السلوك والنتيجة.

وتأكّد، في مُوازاة ذلك، تحقُّق الركن المعنوي، المتمثل في القصد الجنائي العام، العلم والإرادة، والقصد الجنائي الخاص، المتمثل في نيّة إزهاق الرُّوح. كما وقفت المحكمة أيضًا على توافر ظرف سبق الإصرار على القتل؛ ولا ينال من كل ذلك، دفع المتهم بأن المجني عليه بادره بالهجوم بسكّين، وأحدث به جُرحًا غائرًا في يده. فمع وجود ذلك الجرح، فمن الجائز القول إنه ناتج من مقاومة المجني عليه للمتهم؛ وآية ذلك أن المتهم ذهب إلى منزل المجني عليه من أجل قتله، مصحبًا معه أداة القتل (العصا الغليظة)، ولم يُوجّه الضربات إلى يد المجني عليه، لو صحّ قوله، ليسقط منها السكين؛ ولم يفر من المجني عليه، وهو ما يوحي بأن الأخير كان يقاوم، إلا أن تصميم المتهم على إزهاق روح المجني عليه كان قد بلغ مبلغًا لا عودة فيه.

وحيث كان ما تقدّم، ومن حيث العقوبة، فإنه وبالنظر إلى الحالة النفسية للمتهم، والتي كشف عنها طبيب الأمراض العقلية والنفسية؛ فإن المحكمة، وبما لها من رخصة مقرّرة بموجب المادة (111) من قانون الجزاء، قرّرت النزول بالعقوبة من الإعدام إلى السّجن المؤبّد.
وحيث لم يقم الدليل على اشتراك المتهمة الثانية في اقتراف ماديات فعل القتل مع الأول في القتل، وجل ما فعلته هو القيام بأفعال لاحقة لإخفاء معالم جريمة القتل، والتي قد تشكّل جريمة مُستقلة.

وفي السياق ذاته، لم يقم الدليل على تدخُّل المتهم الثالث في اقتراف جريمة القتل.
ولجميع ما تقدم، قضت محكمة الجنايات حضوريًا، في الجلسة المنعقدة بتاريخ 15 ديسمبر 2017م، بإدانة المتهم بالقتل قصدًا، مع سبق الإصرار والتصميم، وفق ما جاء في قرار الاتهام، بالمخالفة للمادة (237 /3) من قانون الجزاء، رقم:(7 /1974م)، وقرّرت معاقبته عنها بالسّجن المطلق. وبراءة المتهمين الثانية والثالث من الجناية المسندة إليهما.
كما قرّرت المحكمة إحالة المتهمين جميعًا إلى الادعاء العام، للتحقيق معهم بجنحة انتهاك حرمة ميت، المؤثمة بمقتضى المادة (210 /2) من قانون الجزاء، مع استمرار بقاء المتهمين قيد الحبس الاحتياطي.
وحكمت بعدم الاختصاص عن الجُنحة المسندة للمتهمين الثانية والثالث، بمخالفة قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، كون التحقيقات كشفت عن تسليم الثانية بطاقة السحب الآلي الخاصة بالمجني عليه، لأخيها المتهم الثالث، ليسحب مبلغًا من حساب الهالك، لغسل السيارة، وتنظيفها من آثار الدماء في الصندوق الخلفي.

سابعًا ـ تصرف الادعاء العام حيال تصدي المحكمة:
حقق الادعاء العام في تصدي محكمة الجنايات في تهمة انتهاك حرمة ميت، وقرر إحالة المتهمين إلى المحكمة الابتدائية المختصة مكانيًا، التي قضت بإدانة المتهم الأول والثالث بجنحة انتهاك حرمة ميت، وقضت بسجن كل منهما لمدة سنة، وغرامة مائة ريال للحق العام، كما قضت بإدانة الثانية والثالث لمخالفتهما لقانون تقنية المعلومات، وقضت بسجن كل منهما لمدة ثلاث سنوات، وبراءة المتهمة الثانية من تهمة انتهاك حرمة ميت.

ثامنًا ـ حكم المحكمة العليا:
لم يرتضِ الادِّعاء العام، وكذا المحكوم عليه الأول بقضاء محكمة الجنايات، فطعنا فيه بالنقض أمام المحكمة العليا، خلال القيد الزمني المقرر بمقتضى المادة (249) من قانون الإجراءات الجزائية. وبالنظر للارتباط، ولحُسنِ سير العدالة، قرَّرت المحكمة العليا ضَمّ الطعنين إلى بعضهما البعض، والفصل فيهما بِحكمٍ واحد.

وبعد تدقيق المحكمة العليا على الأوراق، انتهت إلى أن محكمة الموضوع بنت قضاءها على أساسٍ سليم، وأنها التزمت قواعد التسبيب الصحيحة؛ ومن ثمّ، تكون أسباب الطعن غير قويمة، وتنحل إلى مجرد جدل موضوعي حول سلطة محكمة الموضوع في استخلاص الواقع، وتقدير ووزن أدلتها، وهو ما لا يجوز إثارته والخوض فيه أمام المحكمة العليا، ويضحى الطعن برمته مقامًا على غير أساس، متعينًا رفضه موضوعًا، وإلزام الطاعن المصروفات، عملاً بالمادة (225) من قانون الإجراءات الجزائية.


المصدر: اخبار جريدة الوطن

عن المشرف العام

التعليقات مغلقة

إلى الأعلى