“إننا لم نتلقَّ معلومات خاطئة فحسب، بل ضُللنا”، بهذه الكلمات يضع رئيس الوزراء البريطاني الأسبق جوردن براون في قائمة الاعترافات بأخطاء الجريمة/الكارثة التي ارتكبت بحق العراق وشعبه، بقيادة جورج بوش وتوني بلير وكولن باول الذين سبقوا براون بالاعتراف بهذه الجريمة التاريخية التي تتجاوز في حجم الجرم كارثتي هيروشيما ونجازاكي من حيث عدد الضحايا والدمار والخراب.
الإقرار الجديد الذي يسجله جوردن براون في ملخص لكتابه الذي يحكي مذكراته، وحمل اسم “حياتي وعصرنا” بالنظر إلى إقرار من سبقوه لا يعيد للعراقيين وطنهم الذي دمرته آلة الحرب البريطانية والأميركية إلى ما قبل العام 2003م، ولا يمسح دمعة ثكلى أو يتيم، بل لا يعيد إلى كل أسرة عراقية من أبادته آلة الحرب البريطانية والأميركية، سواء كان أبًا أو أُمًّا أو أخًا أو أختًا أو جدًّا أو جدةً أو…إلخ، ولا يعيد إلى كل عراقية الشرف والعرض بعدما تعرضا للانتهاك من قبل الغزاة، ولم يُعِدْ كل مهجَّر من بيته عنوة.
المثير والمؤلم في الوقت ذاته فيما جاء في ثنايا هذا الاعتراف البريطاني الجديد، هو أنه يحاول سوق التبريرات لهذه الكارثة العظيمة التي نكبت الشعب العراقي بعدم العلم بالمعلومات الصحيحة حول حقيقة امتلاك العراق أثناء فترة حكم الرئيس الراحل صدام حسين أسلحة دمار شامل، في الوقت الذي تتناسل فيه هذه الكارثة وتتشعب بأيدي الغزاة أنفسهم، بينما العرف الأخلاقي أن من يعترف بجريمته ويقر بها أمام العالم أجمع أن يكفِّر عن جريمته ويصحح أخطاءه، ويعيد ما نهبه وبناء ما دمره، ويقدم اعتذارًا رسميًّا للشعب العراقي عن كل قطرة دم سفكها أو تسبب في سفكها ظلمًا وعدوانًا. إلا أن هذا لم يحدث البتة، بل إن الغزاة المحتلين لا يزالون يواصلون بث سموم الفرقة والتشرذم، ويبذرون بذور الإرهاب والفتن الطائفية والمذهبية، ويحرضون مكونًا اجتماعيًّا على مكونات أُخر، ويدعمونه بالسلاح وبالسياسة ليكون نواة التمزيق والتفتيت للعراق، وبدل أن يصدقوا فيما قالوه وادعوه من شعارات وأباطيل بأنهم جاؤوا إلى العراق من أجل نشر الحرية والديمقراطية وتخليص العراقيين من “الديكتاتورية”، أخذوا يزرعون بذور الفتن الطائفية والمذهبية، وأتوا بتنظيم القاعدة الإرهابي وعملوا على استيلاده لكي يبقى العراق رهينة الإرهاب والقتل والتشرذم والفتن وعدم الاستقرار بما يمكنهم من نهب ثرواته.
براون نفى “علمه بالأدلة الحاسمة (بشأن امتلاك العراق هذه الأسلحة) إلا بعد مغادرته منصب رئيس الوزراء”، مضيفًا في مذكراته: “أُخبِرتُ أنهم (الأميركان) يعلمون مكان وجود هذه الأسلحة”. ومضى قائلًا: “أتذكر في ذلك الوقت أنه تقريبًا كما لو كانوا أعطوني اسم الشارع الذي توجد فيه الأسلحة ورقمه”. ولكن من الطبيعي أن يذهب هذا المذهب في التبرير؛ لأنه كما هو متعارف وثابت في السياسة أن منصب رئيس الوزراء كما هو حال جوردن براون أو توني بلير من غير المرجح أن تُقْدم أجهزة الاستخبارات على تضليل شاغل هذا المنصب. لذلك ـ وكما هو واضح وجرت العادة ـ أن المسؤول الغربي يحاول تبييض صفحته من أي جريمة ارتكبها أو شارك في ارتكابها بادعاء عدم العلم والتضليل ونقص المعلومات، ومن يراجع مذكرات بوش يجد فيها هذا التبرير، لكنه تبرير يتناقض مع ما قال إن حربه ضد العراق وأفغانستان مقدسة وأن الرب أمره، بل إنه وصفها بأنها حرب صليبية.
إن تبرير جريمة تدمير العراق وما نتج عنها يبقى محاولة غير مقبولة بالنظر إلى ما سبق الجريمة وما أعقبها من تصريحات وإعلان أهداف وكذلك نتائج كارثية.
المصدر: اخبار جريدة الوطن