انطلقت مسيرة التنمية العمانية في مثل هذا اليوم منذ 47 عامًا عايش معها بشكل يومي أبناء الشعب العماني نهضتهم وهي تبنى بسواعدهم لبنة لبنة، لتشكل صروحًا، يظل التاريخ يذكرها، ويذكر قائد هذه النهضة المباركة، حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ ليقول التاريخ إن في هذه الأرض الطيبة رجلًا آمن بالله سبحانه وتعالى، والتمس من قيم دينه الحنيف الوسطي السمح طريقًا، ووثق في قدرة شعبه الوفي، وأطلق صيحته الخالدة: “سأعمل بأسرع ما يمكن لجعلكم تعيشون سعداء لمستقبل أفضل”.
إنها صيحة وتعهد سامٍ يدرك تاريخ هذا الوطن وقدرته على صناعة المنجز المعجز ـ الذي رآه بعضنا مستحيلًا ـ عبر عزائم رجال عاهدوا الله بأن يكونوا خلف قيادتهم لإعادة عظمة هذا الوطن الضارب بجذوره عميقًا بين حضارات التاريخ.
إن ذكرى الـ23 من يوليو المجيد، ليست مجرد مناسبة وطنية تذكرنا بما أنجز وتحقق، لكنها درس يستنهض بداخلنا القدرات، بالإجابة عن كيف أنجز، فالمنجز الذي نراه الآن رأي العين، كان حلمًا في عقل قائد دعا من أجل إنجازه بالتعليم ولو تحت ظل شجرة، متعهدًا بأن تكون الصحة للجميع، مؤمنًا بأن الإنسان المتعلم المتعافي هو أساس النهضة ومحورها، ناجزًا لخطط تنموية شاملة متعاقبة وكل ما من شأنه تحقيق الرفاهية للمواطن العماني، بسواعد عمانية.
ومع الاستغلال الأمثل للموارد القليلة، كانت أموال النفط هي خير معين لإقامة نهضة شاملة مستدامة تقوم فلسفتها على الموازنة بين متطلبات الأصالة والحداثة، ومتطلبات التنمية واستدامة الموارد الاقتصادية، ومتطلبات الإنسان والحفاظ على البيئة، وتعمل على مواءمة السياسات الاقتصادية والتنموية مع متطلبات أجندة وأهداف التنمية المستدامة الأممية، وهو ما تحقق بشكل تدريجي، دون إجراءات تحول بين الشعب ومقدراته، إنها نهضة مزجت الموروث والمعاصر، بإدارة سامية للموارد المتاحة، لتكون موارد مستدامة، تحفظ حق الأجيال القادمة.
إن الهدف الأساس لهذه السياسات العمانية، التي تبلورت من وحي الرؤية السامية لجلالة السلطان المعظم ـ أيده الله ـ كان بوضوح هو تحقيق السعادة لكافة المواطنين، عبر توفير الحياة الكريمة لكل مواطن، حيث تتاح له مجانية التعليم ومجانية الخدمات الصحية، ونظام شامل للضمان الاجتماعي، بالإضافة إلى القوانين التي سبقت دولًا كبرى في حماية المرأة والطفل، بالإضافة إلى أن المرأة العمانية والشباب العُماني حصلوا جميعًا على الفرص الكاملة للمشاركة والاستفادة من التنمية الشاملة، والارتقاء بأنفسهم وبمجتمعهم في كافة جوانب الحياة.
ولِمَ لا؟ فقد كان العدل والمساواة هما أهم المنجزات النهضوية، وهما ما حرص عليه جلالته ـ أبقاه الله ـ منذ بداية توليه الحكم، فقد أكد على مبدأ العدل والمساواة بين الجميع، بما يضمن الحفاظ على الحقوق وتحقيق تطلعات الشعب نحو دولة العدالة التي تحفظ للإنسان كرامته، وللوطن أمنه واستقراره، وتكفل للشعب تطلعه نحو حياة مطمئنة تتحقق في ظلها الغايات المشروعة للأفراد، في إطار مظلة وطنية مسيجة بسياج العدل والقانون، وبما تقوم به دور العدالة من صون لحقوق الناس طبقًا لمقتضى القوانين السارية.
لقد واجهت السلطنة على مدار 47 عامًا الماضية العديد من الأنواء الاقتصادية والسياسية، لكن بفضل الرؤية الحكيمة لجلالة القائد، وسواعد أبنائه الأوفياء استطاعت مواصلة السير نحو إدارة حركة البناء والتطوير بنفس قوة الدفع، خاصة في مجال السياسات الاستثمارية التي انتهجتها حكومة جلالته طيلة سنوات النهضة المباركة، فما تشهده البلاد من مشاريع استثمارية شملت كافة المجالات تؤكد قدرة المواطن العماني على مواجهة الأزمات، وتثبت أن أسس هذه النهضة قوية بما فيه الكفاية لتواجه أصعب التحديات وأشد الأنواء، مستندة في سبيل ذلك إلى قيم العدل والمساواة والأخوة والسلام والتسامح، وحسن الجوار والتواصل والعلاقات الطيبة، وهي قيم لا تحيد عنها أبدًا. فكل عام يمر من عمر نهضتنا المباركة تتواصل تلك الأسس وترتفع صروح سياسية واقتصادية واجتماعية.
المصدر: اخبار جريدة الوطن