احدث الاخبار
أنت هنا: الرئيسية / مقالات متفرقه / فريضة الحج فرصة ثمينة في استثمار غاياتها في الإصلاح والتجديد

فريضة الحج فرصة ثمينة في استثمار غاياتها في الإصلاح والتجديد

سعود بن علي الحارثي

” في هذا الحشد النوراني والتجمع الإيماني، وفي هذه البيئة الروحانية المتميزة تصلنا صورة بديعة دالة على التناسق والتكامل مع اختلاف الألوان وتباين اللغات وتعدد الأجناس وتغاير الأوطان، نرى كذلك عبر تقاسيم الملامح وفي الوجوه تعابير واضحة تشي بالتسامح والحب والرحمة والعطف والحنان، وحجم الترابط والارتباط بين أفراد ينتمون إلى دين واحد إنه دين الإنسانية دين السلام.”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإسلام ، ما أعظمه وأروعه وأكرمه ، اصطفاه رب العزة ليكون الدين الحق لخير خلقه (الإنسان)، الإسلام ما أزكى وأنقى روحانياته، وأندى وأسمى طقوسه، وأنبل مبادئه وقيمه، وما أحكم وأوضح أوامره ونواهيه، وما أعز مناسباته وأيامه وأعياده التي تقدم كل منها قيمة ومغزى ودلالة وعمقا وامتدادا لماض عريق تتضوع إنجازاته الرائعة وانتصاراته الراقية ومفاخره السامية جنبات وزوايا التاريخ، ففي هذه الأيام الطاهرة المباركة تحتفل الأمة الإسلامية بمجمل شرائحها وألوانها وأنسابها وقومياتها ومستوياتها بمناسبة جليلة لها تميزها وخصوصيتها وألقها ومعانيها النبيلة، ففيها يحتشد المسلمون من جميع أصقاع المعمورة ليشكلوا مؤتمرا إسلاميا مهيبا، تحتضنه البقاع المقدسة بأنوارها وروحانياتها، لا هدف ولا غاية من اجتماعهم هذا غير الامتثال للتعليمات الإلهية، وأداء ما أوجبه الركن الخامس من أركان الإسلام، يجتمعون, يطوفون, يهرولون, في موكب واحد وصعيد واحد وجهتهم واحدة ، لا يشذ الأول عن الآخر، بغيتهم تأدية الشعائر التي نظمتها فريضة الحج على أكمل وجه ، لباسهم وتكبيرهم وتهليلهم لا يختلف عليه اثنان من المسلمين، فأي مناسبة أسمى من هذه المناسبة، وأية شعائر أنبل وأعظم منها وهي تؤدى مبرأة من أوضار المادة وعرض الدنيا ومتاعها الزائل والمراءاة والمظهر؟. هي لحظات ثمينة وفرصة غالية تتيح للمسلم بأن يتطهر من أدرانه ، ويغتسل من ذنوبه ويفيق من غفوته ويطلق عقال تفكيره، ليجري إصلاحا شاملا وتقييما عاما على حياته وسلوكه ليرقى بها وترقى به إلى مصاف الأخيار الأبرار. أيام مباركة ولحظات استثنائية من لحظات العمر السانحة للمسلم أن يغتنمها لتهذيب نفسه وتطهير قلبه . ففي هذا الموسم الإسلامي الحافل تتجسد معاني الحج في كشف حقيقة البشر المؤكدة على انحدارهم من أصل واحد وانتمائهم إلى عنصر واحد ، مهما اختلفت مشاربهم ومستوياتهم الاجتماعية وأحسابهم وأنسابهم، ففي هذا الموقف تظهر وحدة الهدف والصف ومنهجية تأدية المشاعر، ووحدة الكلمة والتجرد من لبس المخيط للجميع دون استثناء، فيشعر المسلم بذهاب الفوارق ، واندماج الإنسان مع أخيه الإنسان حيث الكل سواسية، الفضل هنا تحكمه التقوى والعمل الصالح والنية الخالصة لوجه الله.
في هذا الحشد النوراني والتجمع الإيماني، وفي هذه البيئة الروحانية المتميزة تصلنا صورة بديعة دالة على التناسق والتكامل مع اختلاف الألوان وتباين اللغات وتعدد الأجناس وتغاير الأوطان، نرى كذلك عبر تقاسيم الملامح وفي الوجوه تعابير واضحة تشي بالتسامح والحب والرحمة والعطف والحنان، وحجم الترابط والارتباط بين أفراد ينتمون إلى دين واحد إنه دين الإنسانية دين السلام.
هي مناسبة يتعلم فيها المسلم دروسا غاية في الروعة والإبداع، عالية في المرامي والنتائج، حيث التدرب على النظام الذي تتجلى أروع صوره في شعيرة الطواف ، فيها يتعلم المسلم كذلك مجموعة من السلوكيات الروحانية الراقية التي يحتاجها الإنسان في حياته في عصر الماديات المجردة من المعاني والمضامين الحية التي ترقى بالإنسانية سلوكا وتعاملا وعملا، فيستقي من هذه الشعائر دروسا عملية في التعاون والمروءة والوفاء والتكافل والتضحية … إننا في اشد الحاجة إلى هذه الأيام الحافلة الغنية التي تهب على الأمة الإسلامية بروحها وأنسامها العليلة، وهي في أحلك ظروفها ، وأقسى مراحل تاريخها ، أيام يعيش المسلم فيها وهو في أمس الحاجة إلى الإصلاح والحصانة والى استعادة هويته الإسلامية الصحيحة، وإلى مبادئ وقيم وثوابت دينه الأصيلة. يحتاج المسلم فيها إلى أن يترسخ يقينه بعقيدته الصافية بعد أن ينفض عنها غبار الزمن ويجلي عنها صدأ الجمود ويزيل عنها قشور الجهل والتخلف والفهم الخاطئ لغايات الرسالة الإسلامية وسماحتها وقيمها الإنسانية الراقية والنبيلة، والذي كنا سببا لبلوغه بأهوائنا وأمراضنا ومصالحنا الخاصة وخلافاتنا التي تعددت وتوسعت وتشعبت إلى درجة خطيرة قد يصعب معها العودة إلى روح وسماحة العقيدة ومنابعها العذبة، فسماكة الطبقة المكونة من الأحقاد والبغضاء ، واحتكار الرأي والحقيقة والتعصب واستثمار النصوص وتوظيفها لتحقيق مآربنا وبما يتناسب مع مصالحنا تزداد ضراوة فطغت على ما عداها حتى أوصلنا الإسلام إلى وضعه الراهن الذي لا يحتاج إلى شرح وتوضيح، فلا بد إذن من أن نعيد إلى الإسلام ألقه ومكانته وهيبته الذي لا يكون إلا بنا ومن خلالنا وبعد أن نصلح من حال أنفسنا فنتمسك بتعاليم هذا الدين الحق، إن الوضع الذي تمر به الأمة يحتم علينا ذلك والإخلاص والمسئولية والأمانة تقتضيه، وأيام الحج المباركة، حيث تتجسد عظمة الإسلام وتتضح وحدة المسلمين وقوتهم تحمل العلاج والدروس والحلول العملية، وما علينا سوى اغتنام هذا المؤتمر الإسلامي السنوي، وهذه البيئة الروحانية لنبدأ العمل، اللهم وفق المسلمين إلى الطريق الحق ، اللهم آمين.

Saud2002h@hotmail.com


المصدر: اخبار جريدة الوطن

عن المشرف العام

التعليقات مغلقة

إلى الأعلى