حين تحتفل كلية الدفاع الوطني بتخريج كوكبة تلو أخرى، يبعث فينا هذا الاحتفال مشاعر ممزوجة بالفرح والفخر والزهو والسرور، ذلك أن مسيرة التعليم في بلادنا آخذة بناصية النجاح وفق ما أراد موقد جذوة النهضة المباركة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ وأن هذه المسيرة قامت فلسفتها على أهمية أن يكون التعليم شاملًا ومتنوعًا، ومتناولًا جميع مناحي الحياة، ولا يكون مقتصرًا في عدد من المجالات، وأخذًا في الاعتبار الأهداف التي جاءت من أجلها النهضة المباركة وهي بناء الإنسان وجعله هدفًا للتنمية وغاية لها، والبناء هنا أولى قواعده التعليم.
فهذا الصرح العلمي والتعليمي الشامخ الذي بين ظهرانينا يعد مفخرة من مفاخر نهضتنا الحديثة التي أنار دربها بفكره الثاقب جلالة عاهل البلاد المفدى ـ أيده الله ـ والذي يرجع الفضل إليه ـ بعد الله ـ فيما نحن فيه من تقدم حضاري، ولذلك فليس عجبًا أن يشار اليوم بالبنان إلى كلية الدفاع الوطني بالنظر إلى المساقات الدراسية ذات الأهمية الاستراتيجية والأمنية الدفاعية التي تخصصت هذه الكلية في تدريسها وأُعدت من أجلها لبناء قادة وصناع قرار استراتيجيين على مستوى عالٍ من الفهم والدراية والقدرة على الاستنتاج والاستنباط مما يدور في واقعنا وفي تاريخنا من أحداث وتطورات، ورفع مستوى التحليل والتوقع وقراءة الحدث بصورة متعمقة ومن جميع زواياه.
إن هذه الكوكبة الجديدة والرابعة من دورة الدفاع الوطني التي جاء الاحتفال بتخريجها أمس متزامنًا مع احتفالات السلطنة بذكرى يوم النهضة المباركة، ينظر إلى كوادرها على أنهم جيل جديد مؤهل ليمسك بصولجان القيادة وصناعة القرار لكونهم تلقوا تعليمهم وتدريبهم على أيادي ذوي الخبرة والقرار الذين نحسن الظن فيهم بأنهم عملوا بكل إخلاص وتفانٍ على الارتقاء بهذه الكوكبة الجديدة تعليمًا وتأهيلًا وتدريبًا وتفكيرًا وتمكينًا وإعدادًا لكي يتبوأوا مناصبهم ووظائفهم المناسبة فيرتقوا بها ومعها يرتقوا بأنفسهم، انطلاقًا من أهمية توظيف ما اكتسبوه من علوم ومعارف وتدريب وخبرات في أعمالهم، ومن أهمية عدم الركون عند هذا المستوى بل البحث عن الجديد، فدورة العلوم لا تقف عند حد معين، وإنما طبيعتها متجددة.
وحسب المسؤولين بكلية الدفاع الوطني حرصت الكلية منذ إنشائها على تحقيق أهدافها القائمة على توسيع آفاق التعلم والبحث والتطوير في المستوى الاستراتيجي ودراسة نهج جلالته ـ حفظه الله ورعاه ـ في بناء وإدارة الدولة الحديثة، لا سيما وأن المتغيرات المتسارعة والأحداث في منطقتنا قد أوجدت لنفسها مساحة في برنامج الكلية للدراسات الاستراتيجية، حيث قام المشاركون بمسؤولية البحث والدراسة في مجمل القضايا المؤثرة على الساحة الإقليمية والدولية، ولقد تأكد لهم أن النهج السياسي والقيادي لجلالة السلطان ـ حفظه الله ورعاه ـ قد جنب بلادنا ـ ولله الحمد ـ خطر العديد من الأحداث التي عصفت بالمنطقة ودول الإقليم، فلله الحمد والشكر على نعمته أن سخر لعُمان هذا الزعيم الفذ، وعلى ما أسبغ عليه من حكمة ورؤية ثاقبة أخذت منهجًا إسلاميًّا سمحًا منذ بزوغ فجر النهضة المباركة قائمًا على السلام والتسامح والصدق والثبات، ونبذ الطائفية والمذهبية، حيث تم بناء هذا النهج وما يحمله من مبادئ بين مختلف شرائح المجتمع العماني الطيب حتى أصبح مدرسة عمانية مفتوحة لمن أراد أن ينهل من معينها.
إن كلية الدفاع الوطني باتت محل اهتمام كبير من قبل قطاع عريض من الدارسين والباحثين في مجالات الأمن والدفاع والسياسة، فالكلية تفسح المجال أمام الطاقات العقلية العمانية لتعبِّر عن فكرها وتبدع وترسم لمستقبل وطنها طريقًا واضح المعالم يتأسس على الرؤية الحكيمة والثاقبة لقائد مسيرة نهضة بلادنا، وعلى الإرث الحضاري والتاريخي الذي ميَّز عُمان وشعبها. فالإنسان المتعلم أو المثقف الواعي لما يدور حوله يعرف هو بدوره أولوياته في الحياة ويحسن اختيار الأفضل لنفسه ولأسرته ولوطنه.
المصدر: اخبار جريدة الوطن