وضعت كلمة السلطنة أمام الدورة الثانية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة ـ والتي ألقاها معالي يوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية ـ نقاطًا كثيرة على حروف قضايا مهملة أو أهملت عمدًا من قبل بعض القوى الدولية الكبرى، حيث كان لافتًا انحراف المسار السياسي للمجتمع الدولي نتيجة التأثير القوي لبعض القوى الكبرى، سواء من خلال التعاطي السياسي الدائم، أو من خلال الخطب التي دُبجت بكلمات لا تمت بصلة مع طموحات شعوب العالم وآمالها، فانحرفت مع ذلك بوصلة الاهتمام بقضايا الشعوب كالهجرة والفقر والجوع والمناخ، والتنمية والتسامح والتعايش السلمي، والانفتاح الاقتصادي والمعرفي.
إن إعادة السلطنة تجديد ثوابتها أمام العالم أجمع إنما تنطلق من قيم ومبادئ دينية وإنسانية وأخلاقية، وإرادة صادقة لحلحلة ما يخيم على مناخ الاستقرار الدولي من صراعات ونزاعات، ونزعات تصعيدية لا تخدم السلم والأمن الدوليين، فليس هناك وسائل أسلم وأقوى وأنفع في حل النزاعات والحروب سوى الوسائل السلمية، والحوار البناء، وفق أحكام ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وعدم التدخل في شؤون الداخلية للدول، والعمل على إرساء علاقات تصالحية تعاونية تتأسس على الاحترام وتبادل المنافع واحترام المصالح، ومتى ارتكن المجتمع الدولي في علاقاته إلى ذلك فإن من شأنه أن يحقن الدماء النازفة، ويوفر الثروات والطاقات المهدرة لصالح البشرية وخدمة القضايا التنموية الملحة، ويبني مجتمعات متصالحة متعاونة متسامحة يسودها الرخاء والاستقرار والاطمئنان وترفرف فوق سمائها رايات السلام.
لقد حرصت السلطنة ـ وكما أكدت الكلمة أيضًا ـ على أن تنتهج في سياستها الخارجية وعلاقاتها الدولية نهجًا يقوم على دعم السلام والتعايش والتسامح والحوار والتعاون الوثيق مع سائر الأمم والشعوب، والالتزام بمبادئ الحق والعدل والمساواة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وفض النزاعات بالطرق السلمية وفق أحكام ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي بما يعزز من معايير بناء الثقة القائمة على الاحترام المتبادل لسيادة الدول، وعلاقات حسن الجوار وبما يحفظ للدول أمنها واستقرارها وازدهارها. إلا أن هذه الثوابت والقواسم التي يجب أن تكون مشتركة بين دول العالم لا تتأتى ما لم تتوافر هناك إرادة جادة لدى الدول الكبرى تحديدًا بتغيير مسارها السياسي في حل القضايا الدولية، والانتقال السريع واللازم إلى دعم جهود السلام والمشاركة الفعّالة لنشر السلام كثقافة دولية على كافة المستويات. وهذا لن يستقيم ما لم يتم عبر منظمة الأمم المتحدة التي تتطلع السلطنة إلى نقلة نوعية في فعاليات المنظمة الدولية من أجل تحقيق الأمن، والعمل على إيجاد عالم تسوده حسن النوايا، والثقة في المستقبل ولغة الحوار القائم على القبول بالآخر، مهما كان التباين الاجتماعي والثقافي بين المجتمعات البشرية، وبالتالي لا بد من سائر الدول بذل المزيد من الجهود والتعاون لإعادة الاعتبار الشخصي للأمم المتحدة ودورها المحوري في العلاقات الدولية، حيث أكدت السلطنة وقوفها مع الأمين العام للأمم المتحدة للقيام بدور فعال لتحقيق أهداف ومقاصد منظمة الأمم المتحدة وتنشيط دورها لتحقيق السلم والأمن الدوليين.
وفي الوقت الذي يغرق فيه العالم في دوامة الصراعات الاقتصادية والتوترات السياسية والإرهاب، حرصت السلطنة على إسداء نصيحتها بأهمية ترسيخ المفهوم الحقيقي للشراكة والمصير المشترك بين أعضاء المجموعة الدولية، والبُعد عن الأنانية ودواعيها، والقيام بدعم الدول الأقل نموًّا، والانفتاح التجاري والاقتصادي، والتخلي عن سياسة الاحتكار، واحتكار المعرفة، وإشاعة ثقافة السلام والحوار، فهذه هي الوسيلة المناسبة لتحقيق ما تتطلع إليه شعوب العالم قاطبة.
المصدر: اخبار جريدة الوطن