لم يخل يومًا ملف الأزمة السورية من التعقيدات المفروضة عليه فرضًا من قبل معشر المتآمرين على سوريا وشعبها وجيشها وقيادتها، فمنذ تفجير الأزمة وحتى ساعتئذ لم يتوقف سيل التآمر ومحاولات تعطيل الحل السياسي بدعم الإرهاب بالأصالة والوكالة، ولم يرد الداعمون الانكفاء ـ رغم الانكشافات لدرجة الافتضاح ـ عن مخططهم التآمري التدميري وكل ما حاكوه من وسائل وأساليب لتمرير مخططهم، ورغم المخاطر المحدقة بالأمن والسلم الدوليين التي جرتها عليهما أياديهم الخبيثة، ودون إعطاء صوت العقل فرصة لمراجعة الذات والانتباه أن طريق دعم الإرهاب وإنتاج تنظيماته وبعثرتها في سوريا ودول المنطقة والعالم هو طريق شائك وخطر، وأنه لا بد من أن يأتي يوم أن يحصد الزارعون ما زرعوه ضد دول كانت آمنة مطئمنة كسوريا والعراق وليبيا وغيرها.
لقد بدت إرادة التعطيل لرغبة التغيير السلمي الذاتي (السوري ـ السوري) حاضرة منذ أول رصاصة غادرة أطلقها معشر المتآمرين ضد المسيرات السلمية وقوات الشرطة والجيش، مستغلين ضعاف النفوس ومرضى القلوب، والبسطاء إلى جانب المندسين، وتزيين الباطل في أنفسهم وعقولهم البسيطة بالمال وفتاوى الضلال والفساد، وأوغلوا في التضليل إلى حد الغباء، وفبركوا ودلسوا الصور والمشاهد ليكتمل مخططهم التآمري، ولم يتركوا وسيلة إلا وجربوها، واتخذوا من منابر الأمم المتحدة منصات متقدمة لقصف الحق والحقيقة على أرض سوريا، إمعانًا في التضليل والطغيان والفساد والعبث بدماء الشعب السوري، محاولين استصدار قرارات تمكنهم من الإيغال أكثر وأكثر في الدم السوري، وتدمير البنية الأساسية وإسقاط الحكومة السورية ليسهل عليهم تفتيت سوريا إلى كانتونات طائفية متناحرة.
غير أن ما تناسوه أن قوة الباطل والظلم إلى انكسار وانهيار ثم زوال، وإن بدت في نظر ذويها لا تقهر، وأن قوة الحق والعدل هي الأقوى والأرسخ والأثبت تاريخًا وواقعًا، فها هو الرئيس السوري الذي أرادوا الإطاحة به يقود ملحمة الصمود والاستبسال والدفاع عن قوة الحق السوري، وملحمة الدفاع عن سيادة سوريا واستقلالها، ولم يكلف معشر المتآمرين أنفسهم عناء السؤال: لماذا هذا الرئيس وحكومته بقيا صامدين أمام أعتى قوى القهر والظلم والاستعمار والإمبريالية في العالم؟ وأمام أعتى هجمة إرهابية عابرة للحدود مدعومة من أكثر من ثمانين دولة؟ فهناك من كان السبب وقدم نفسه فداء لوطنه سوريا، ونعني به هنا الشعب السوري والجيش العربي السوري؛ فالأول لم تهز وسائل التهديد والوعيد الإرهابية شعرة منه حين حان وقت الاستحقاق الوطني بإجراء الانتخابات الرئاسية، فخرج السوريون جماعات ووحدانًا متحَدِّين الإرهاب والموت المجاني ليؤكدوا أنهم اختاروا رئيسهم الذي يقود ملحمة نضالهم، والثاني (الجيش العربي السوري) لم يغادر ثغور النضال والدفاع عن حياض سوريا، وسطر ملاحم بطولاته في وجه الإرهاب، وها هو يطهر المدن والأرياف السورية من رجس الإرهاب، دون أن تثنيه أو تفت من عضده وسائل التشويه والتحريض أو تخيفه الأسلحة النوعية والمتطورة.
إن الحقيقة التي لا يريد أن يقر بها معشر المتآمرين هي أن الرئيس السوري أصبح واقعًا ورقمًا صعبًا في المعادلة، ويكتسب قوته وثباته من الشعب السوري الذي تمسك به ولا يزال يصر عليه، وأن السوريين جميعًا يهمهم الحل السياسي وتجنيب بلادهم ويلات الدمار والخراب، ولكن مع ذلك ـ للأسف ـ لا يريد المتآمرون أن يساعدوا السوريين على الالتقاء والتقريب بينهم، أو على الأقل تركهم ينظرون فيما يصلح شأنهم ويصلح بلادهم، ويتفقون على نوع الحكم الذي يريدون، وعدم التدخل في شؤونهم وحرياتهم وإراداتهم، رغم أن مساعدتهم لهم ستكون لها نتائجها لصالح كل من تآمر على سوريا، إذ من شأنها أن تمكن السوريين من السيطرة الكاملة على التنظيمات الإرهابية أو الحد من خطرها والتعاون مع دول المنطقة والعالم لتجنيبها خطرها حين تبدأ عناصر هذه التنظيمات الإرهابية بالعودة، وبالتالي فإن تشجيع تثبيت وقف إطلاق النار، ومساعي الحل السياسي في أستانة، وإيصال المحادثات إلى نتائجها الطبيعية المحققة لتطلعات جميع السوريين بكل أطيافهم، يعد بداية حقيقية للتكفير عن الخطايا التي ارتكبت بحق الشعب السوري والدولة السورية من قبل المتآمرين.
المصدر: اخبار جريدة الوطن