مع دخول الجيش العراقي مسجد النوري الذي أعلن منه أبو بكر البغدادي قائد تنظيم “داعش” الإرهابي دولة خلافته المزعومة قبل ثلاث سنوات، يطوي العراق صفحة جديدة من صفحات نتائج الغزو الكارثي الذي قاده الغازي الأنجلو ـ أميركي، وحين نقول صفحة جديدة، فهذا يعني أن العراق لم ولن يتخلص بعد من نتائج الغزو، لطالما كان بداية انطلاق ما يسمى “مشروع الشرق الأوسط الكبير”، حيث تمضي محاولات الغزاة نحو إكمال خطط المشروع؛ لكونه المساحة الجغرافية والديمغرافية القادرة على خلق الهدوء والأمان والاستمرارية والبقاء لكيان الاحتلال الإسرائيلي، ومد مشروعه الاحتلالي في المنطقة.
ما من شك أن نجاح العراقيين في إحباط الغزو الثاني الإرهابي بعد تكبيد الغزو العسكري الخسائر المادية والبشرية، له وقعه في نفس كل مواطن عراقي بعد ما بذله من مال وجهد ودم، وداخل كل أسرة عراقية قدمت أبناءها فداء لوطنه ولكرامته ولعرضه.
لقد أحسن قادة العراق صنعًا في تجنيب بلدهم الغرق في وحل الحرب الأهلية التي حاول نشر شررها الغزاة وسكب زيت الطائفية والمذهبية على نارها، وبخاصة حين طالب العراقيون علماء دين وسياسيين وشيوخ عشائر ومواطنين بالتحرك لتخليص العراق من ربقة الغزو الثاني المتمثل في تنظيم “داعش” الإرهابي الذي يتكئ على فكر شاذ معادٍ لشريعة الإسلام، ومعادٍ للإنسانية وحقوق الإنسان، فأوغلت أياديه الآثمة في إثارة النعرة الطائفية بسفك الدماء في الطرق والأزقة، والتفجيرات الانتحارية، فقد كان للحزم واليقين في اتخاذ المواقف ضد كل محاولة إثارة الفتنة والحرب الأهلية في العراق، وتوحيد الصفوف لقتال هذا الغازي الجديد دوره في حقن مزيد من الدماء، وتحقيق النصر على “داعش” بتخليص مدنهم وقراهم التي دنسها التنظيم الإرهابي.
إن هذا الإنجاز الذي يستعد العراقيون لإعلانه إنجازًا شاملًا لا بد أن يتوج بخطوة وطنية تضارع الخطوة الوطنية التي قادت إلى تحرير العراق من قبضة إرهاب تنظيم “داعش” الإرهابية وإسقاط دولته الإرهابية وهي المزيد من التلاحم والتكاتف والتماسك، وتغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية أو الطائفية، والنظر إلى أن العراق للجميع وليس لحزب أو طائفة أو فئة سياسية؛ لأنه السبيل الأوحد نحو الحفاظ على وحدة العراق وسيادته واستقلاله وأمنه واستقراره، وصون ثرواته وحماية مقدراته في مواجهة خطط مدعومة جيدًا من جانب قوى كبرى تتربص بشعب العراق ووحدته وأمنه وثرواته.
وعلى أية حال سيبقى البطل الحقيقي في هذه الحرب الكريهة المفروضة هو الشعب العراقي نفسه بكل أطيافه السياسية وانتماءاته المذهبية، فرغم كل الضغوط النفسية والمخاوف من الحاضر والمستقبل إلا أن العراقيين نجحوا حتى هذه اللحظة في تجنب الانجرار إلى أتون الحرب الأهلية، وتقديم الدليل على أنهم قادرون على التوحد وحماية بلادهم وصون سيادتها ووحدتها واستقلالها، خاصة وأنهم قد ازدادوا يقينًا بفعل التجربة المأساوية التي عايشوها، سواء في ظل الاحتلال أو في ظل الهجمة الإرهابية الداعشية أن يد الخارج المتدخلة في شأنهم الداخلي لم ولن تصنع مستقبلًا زاهرًا للشعب العراقي، وإنما جاءت طمعًا في ثرواته، وتمزيق نسيجه الاجتماعي، وتقسيم أرضه.
المصدر: اخبار جريدة الوطن