رسالة الإنسان مركب إضافي، يتكون من كلمتين (مضاف ومضاف إليه) الكلمة الأولى رسالة، وهي مضاف، والكلمة الثانية الإنسان، وهي مضاف إليه.
فما معنى رسالة؟ وما يراد بالإنسان؟.
معنى رسالة: وظيفة وغاية ومهمة، ويراد بالإنسان من حيث هو إنسان متكامل؛ روحه وعقله وجسمه وضميره وإرادته ووجدانه وعواطفه وأشواقه وتطلعاته، فمعنى رسالة الإنسان أي مهمة الإنسان في كل أطوار حياته، وفي كل مراحل عمره، وفي كل أحواله وظروفه.
لا ريب أن الله تعالى ما خلق شيئًا في الوجود من الذرة إلى المجرة، ومن الأرض إلى السماء، صغيرًا كان أو كبيرًا، محسوسًا كان أو غير محسوس، جليًا كان أو خفيًا إلا وله وظيفة ومهمة ورسالة، فكل شيء خلقه الله تعالى لحكمة جليلة. أدركها من أدركها، وتغافل عنها من تغافل عنها، وعلمها من علمها، وجهلها من جهلها، واعترف بها من اعترف بها، وأنكرها من أنكرها فتعالى الله، وتنزه وتقدس عن العبث واللعب والهزل.
يقول الله تعالى: {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون* فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو ربُ العرش الكريم} (المؤمنون 115ـ 116)، ويقول تعالى:{وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلًا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار}(ص ـ 27)، ويقول تعالى:{وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين} (الأنبياء ـ 16)، ويقول تعالى:{وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين * ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون} (الدخان 38 ـ 39).
وهؤلاء هم أولو الألباب؛ يعترفون ويقرون بحكمة الله تعالى من خلق السماوات والأرض، وينزهونه تعالى عن الباطل، يقول الله تعالى:{إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب* الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلًا سبحانك فقنا عذاب النار} (آل عمران 190ـ 191).
إن العوالم الرئيسة والأجناس الأساسية التي من حولنا، والتي تحيط بنا، والتي يتكون منها العالم المنظور أي الحس والشهادة هي أربعة: الجماد والنبات والحيوان والإنسان، ولكل عالم من هذه العوالم وظيفة ورسالة ومهمة خُلق من أجلها وأعد لها وهيئ ليؤديها ويقوم بها.
الجماد بكل أنواعه وأحجامه وأشكاله؛ الثابت والمتحرك، السائل والجامد، المتطاير والنفاذ، الخشن والناعم، الصلب واللين، البارد والساخن، المعتم والمتوهج هذا العالم لا يسمع ولا يرى ولا يحس ولا يُصدر صوتًا ولا يدرك ولا يدافع عن نفسه ولا ينمو ولا يتكاثر من هذا العالم التراب والهواء والماء، والجبال والشمس والقمر والنجوم؛ هذا العالم كله طائع لله تعالى وساجد له، ومسبح بحمده، وهو مسخر لخدمة العالم الذي هو أعلى وأرفع وأرقى منه فهو يقدم خدمة للنبات، ويقدم خدمة للحيوان، ويقدم خدمة للإنسان.
والنبات بكل أطيافه وألوانه الصغير والكبير، المتسلق والمفترش، العالي المرتفع والقريب المنخفض، المعروش وغير المعروش، ما له ساق وما ليس له ساق، ما له أشواك وما ليس له أشواك، ما له رائحة وما ليس له رائحة، بكل أذواقه وطعومه الحلو والمر والحامض هذا العالم لا يسمع ولا يرى، ولا يُصدر صوتًا، ولا يحس إحساسًا ملحوظًا ولا يدرك ولا يدافع عن نفسه، إلا أنه ينمو ويتكاثر لذا فهو أرقى من عالم الجماد، من هذا العالم النخيل والأعناب والحشائش، والفواكه والخضراوات والأزهار والورود والحمضيات والبقوليات والزروع والحبوب هذا العالم كله طائع لله تعالى، وساجد له، ومسبح بحمده، وهو مسخر لخدمة العالم الذي هو أعلى وأرفع وأرقى منه فهو يقدم خدمة للحيوان، ويقدم خدمة للإنسان.
.. وللحديث بقية.
د ـ يوسف بن إبراهيم السرحني