على الرغم من الجهود التي قادتها القاهرة ـ ولا تزال ـ لتهدئة الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحديدًا في قطاع غزة، فإن في الأفق لا يشير إلى أن هناك استعدادًا إسرائيليًّا للتقدم خطوة باتجاه تخفيف التوتر والتهدئة، والنظر إلى الوضع الإنساني في القطاع بعين موضوعية تقدر الحياة الصعبة التي فرضتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على ما يقارب مليوني مواطن فلسطيني داخل غزة نتيجة الحصار الظالم.
المشكل أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تتحدث كثيرًا عن ما تسميه “أمنها”، وأمن سلامة الإسرائيليين داخل فلسطين المحتلة، وأنها باعتداءاتها تهدف إلى تأمين استقرار المستعمرات الاستيطانية، وترى أن هذا حق لها، ولكنها في المقابل أيضًا لا تريد أن تعترف بأن من تحاصرهم وتصادر حقوقهم، وتسلبهم حق الحياة، سواء داخل قطاع غزة أو الضفة الغربية هم أيضًا بحاجة إلى الأمن والحرية والاستقرار، والتمتع بحقوقهم التي كفلتها لهم الشرائع السماوية والقوانين الوضعية والدولية، وبالتالي يصبح حقًّا طبيعيًّا وقانونيًّا وشرعيًّا أن يتصدى من تنتهك حقوقه وتسلب بما يمتلك من أدوات لحماية نفسه وحياته أولًا، ولحماية حقوقه ومنع الاستمرار في اغتصابها وانتهاكها ثانيًا، ولإفهام المجتمع الدولي ومنظماته الدولية والحقوقية أن ما يمارسه في مواجهة قوات الاحتلال الإسرائيلي من دفاع ليس إرهابًا، وإنما هو حق مكفول له شرعًا وقانونًا، وفي هذه الممارسة لم ينتهك لا القانون الدولي ولا شرعة الأمم المتحدة.
لا بد أن تنظر دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى واقع الشعب الفلسطيني وحاجاته ومطالبه المشروعة والتي كفلتها له الشرعية الدولية، والقرارات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة ذات العلاقة بالقدر ذاته الذي تنظر إليه تجاه ما ترغب فيه وتسعى إلى تحقيقه، لذلك ليس هناك من سبيل لإيقاف حالة المواجهة، وقبل كل شيء إيقاف دولة الاحتلال الإسرائيلي اعتداءاتها على الشعب الفلسطيني، سوى اعترافها بالحقوق الفلسطينية، وأن من حق الشعب الفلسطيني أن يقيم دولته المستقلة وذات السيادة على أرضه وعاصمتها القدس تحقيقًا للرؤى المطروحة في هذا الشأن ويأتي في مقدمتها رؤية “حل الدولتين” التي طرحها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
إن استشعار الحاجة إلى الاعتراف بالحقوق الفلسطينية قد حان أوانه، وآن للمجتمع الدولي وقواه الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة أن تنظر إلى الاستقرار والسلام في المنطقة من منظور استراتيجي، وليس من منظور المصالح الخاصة الضيقة وعلى حساب حقوق شعوب المنطقة وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني. وفي التقدير، أن واشنطن ولندن وباريس وبرلين وجميع عواصم العالم تقر بأهمية الاستقرار والسلام في المنطقة والعالم، وتعترف في قرارة ذاتها بمدى المظلومية التاريخية التي وقعت على الشعب الفلسطيني، خصوصًا العواصم التي ارتكبت هذا الظلم بداية وتستكمله مع من جاء بعدها بمواقف مؤيدة للممارسات والاعتداءات الإسرائيلية والدفاع عنها.
المصدر: اخبار جريدة الوطن