(نظرة شمولية)
سنطوف معكم في هذه السلسة في جانب الأخلاق في الاقتصاد، وكيف أن الدين الإسلامي كل متكامل ، وأتى بنظرة شاملة للحياة، لا تحتاج إلى غيرها، لأنه منهج رباني، أراده الله تعالى لعباده، وسنتطرق – بعون الله تعالى- بصورة مبسطة سهلة لما يحتويه النظام الاقتصادي الإسلامي، وما يميزه عن غيره.
السمات الأخلاقية في النظام الاقتصادي الإسلامية :
كما سبق وذكرنا في هذه السلسلة أن المعاملة في الدين الإسلامي تعتبر جزءا لا يمكن فصله عن العبادة، فالدين المعاملة، وعلى هذا فالمسلم في كل أحواله يستشعر دائما مراقبة الله تعالى، وأنه سيجازى على كل عمل عمله، سواء كان عملا دنيويا بحتا أو عملا أخرويا، لأن الإسلام لا يفصل بين الدين والدنيا. ومن هنا كان التاجر المسلم شديد الحرص في تعامله مع غيره أن يكون منصفا لهم، سواء كان الحق له أو عليه، والتاريخ خير شاهد على ذلك، وليس هذا مقام بسطها، فنجد أن المتأمل في النظام الاقتصادي الإسلامي يجد فيه التوازن الحق، بين متطلبات الإنسان حب التملك والسيطرة، وبين حاجة المجتمع، فلا رأسمالية طاغية ولا اشتراكية مجحفة ، بل هي وسطية وعدالة، تعطي الفرد حقه مشبعة رغباته، لكن في اطار عام يضمن التوازن، فلا طبقة تستأثر بالمال، ولا أخرى لا تجد قوت يومها، {كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم}.
ولعل من الحسن أن نبدأ بأهمية المال في الإسلام، أو بمعنى آخر هل تعتبر الثروة والغنى في الإسلام عائقا عن تحصل الدرجات العلا في الآخرة؟
فمما بات معلوما أن الإسلام لم يطلب من المسلم أن يُلقي الدنيا وراء ظهره ويعيش ناسكا في قمم الجبال ، يأكل من خشاش الأرض، غيره متفضل عليه، بل على المسلم أن يكون ضاربا في مناكبها، ساعيا لطلب رزقه متوكلا في ذلك على ربه، وليس الغنى والثروة والمال عائقا عن بلوغ الدرجات العلا عند الله يوم القيامة ، كما هو شائع عند أهل الشرائع السابقة، فقد جاء في إنجيل متى الإصحاح التاسع عشر، أن المسيح – عليه السلام- قال لشاب يملك ثروة كبيرة أراد أن يتبعه ويدخل معه : ” إن أردت أن تكون كاملا فاذهب وبع أملاكك، وأعطها للفقراء، وتعال اتبعني، فلما سمع الشاب الكلمة مضى حزينا؛ لأنه كان ذا أموال كثيرة”، هنا قال المسيح لتلاميذه: ” الحق أقول لكم: إنه يعسر أن يدخل غني إلى ملكوت السموات، وأقول لكم أيضا: إن مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله” .
أما الإسلام فنجد أنه على النقيض من ذلك تماما، فالله تعالى امتن على عبده ورسوله محمد – عليه السلام- بأن { ووجدك عائلا فأغنى}. وكثير من النصوص الواردة عن النبي الكريم يحث ويوجه فيها المسلم نحو التزود من خير الدنيا ومتاعها بالطرق المشروعة الحلال مع أدائه حق الله تعالى فيها، فها هو يقول لسعد بن أبي وقاص :” إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس”، وقوله عليه السلام موجها لعمرو بن العاص:” ياعمرو؛ نعما بالمال الصالح للعبد الصالح”، كما أنه عليه السلام بين استحقاق أهل الأموال والفضل والغنى للأجر، وسَبْقِهم به في قوله :”ذهب أهل الدثور بالأجور”، ومما لا ينبغي أن يفوت علينا ما كان من دعائه صلوات الله وسلامه عليه من طريق أنس :” اللهم إني أعوذ بك من الفقر والكفر”. ولم يكن القرآن خاليا من ذكر هذه الأهمية للمال، والتوجيه لها، بل كان بيانا أن رغد العيش وسعة المال، لهما جانبان : الجانب الأول: أنه نعمة من الله تعالى لعباده الصالحين،كما هو قصة سيدنا سليمان والملك الذي آتاه الله إياه. والجانب الثاني: قد يكون تعجيلا لمن حُرِم رضوان الله في العقبى بالطيبات في هذه الحياة، { ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون…}.
إذا فالمال يكون نعمة على العبد إن أحسن استغلاله وجهه الوجهة الصحيحة، ويكون نقمة على صاحبه، ووبالا عليه ، أو طيبات عجلت له في هذه الدنيا.
مصطفى بن ناصر بن سعيد الناعبي